الأحد، 28 ديسمبر 2014

دراسة نقدية لفصل "أبناء السيد والمسود" من كتاب "روح الشعب الأسود" لـ وليم إدوارد ديبويس.

                                                                                            
       
        جامعة القاهرة
كلية الاقتصاد والعلوم السياسية
    قسم العلوم السياسية
    




دراسة نقدية لفصل "أبناء السيد والمسود"
 من كتاب "روح الشعب الأسود" لـ وليم إدوارد ديبويس



إعداد الطالب:
محمد عز الدين مصطفى حمدان






2013


المقدمة:
"وليم إدوارد بورجهارت ديبويس" أفروأمريكي من أصول أفريقية فرنسية، ولد في بارنجتون بالقرب من ماساشوسيتش شرق الولايات المتحدة الأمريكية في 23 فبراير 1868م، وتوفي في أكرا-غانا في 27 أغسطس 1963م[1].
درس ديبويس العلوم الانسانية، كالفلسفة والتاريخ والاجتماع، وكان ناشطاً في مجال تحرير الإنسان والشعوب الملونة، وكان أديباً وشاعراً ومفكراً ورائداً سياسياً وثقافياً لحركة تحرير الزنوج الأمريكية، وحركة الوحدة الأفريقية.
عانى ديبويس في جولته لجورجيا خلال فترة دراسته الجامعية الأولي من التفرقة العنصرية ضد الزنوج، وهو ما عبر عنه في كتابه "روح الشعب الأسود"، فكانت هذه البداية لإتجاهه لدراسة أوضاع الزنوج، واتخاذ الإتجاه السلمي لحل قضيتهم، والواضح أنه لا يمثل العنصرية المعكوسة بل كان يتحدث عن تراث الزنجي القوي القديم، وأن اللون لم يكن أساس العبودية، ويرى أن الصراع بين الأجناس لابد أن يكون للخير، والتنافس يكون في إطار اتصال الحضارات وليس تصارعها، حيث كانت تظهر في جميع كتاباته نظرته الإنسانية للعالم.
كان ديبويس ساخطاً على الواقع الأمريكي لأنه يرى أن الرأسمالية هي المسببة لتجارة الرقيق والحروب الأهلية والعالمية التي تعبر بوضوح عن الثقافة الحقيقية البيضاء[2]، واتجه حول فكرة "أممية الشعوب الملونة" التي تم محورتها في حركة الوحدة الأفريقية، حيث كانت فكرته بأن يدفع بالشعوب الأفريقية للساحة الدولية ليمهدها للحصول على الحكم الذاتي ثم الإستقلال ومن بعدها التوحد[3]، وقد أعجب بالحريات التي منحت للزنوج في فرنسا قبل الحرب العالمية الأولى، ولكنه رأى التناقض خلال فترة الحرب من استغلال الأفارقة بالرغم من تأثر الثقافة الأوروبية ببعض جوانب بالثقافة الأفريقية، مما شجعه لعقد مؤتمرات الوحدة في العواصم الأوروبية والابتعاد عن أمريكيا، وكان له دوراً في هذه المؤتمرات، وأكد على أن الاشتراكية هي الطريق التي يجب على أفريقيا السير فيها والابتعاد عن الرأسمالية، ويحذر من ارتباط الأفارقة بالبيض الرأسماليين لأنه يرى إمكانية التحالف مع البيض على أساس الاشتراكية، ويجب أن يتحد الأفارقة تحت شعار الوحدة الأفريقية الاشتراكية.[4]
وستقوم الدراسة النقدية لفصل "عن أبناء السيد والمسود" من كتاب "روح الشعب الأسود"، حيث تطرق الكاتب للتفرقة العنصرية بين السود والبيض في الجنوب.
أولاً: الفصل المكاني بين البيض والسود.
يوضح ديبويس بأنه "يمكن أن نرسم في كل مجتمع خطاً مادياً للون على الخريطة، على أحد جانبيه يعيش البيض وعلى الجانب الآخر يعيش الزنوج"[5]، وبذلك تتضح التفرقة العنصرية في الفصل المكاني للبيض عن السود، ويبرز بأن السود يعيشوا في أحياء لا يعيش بها البيض لأن البيض يعتبروا السود الفقراء مصدر خطر عليهم، ولكن من الطبيعي أن يوجد حي فقير للبيض وسط حي محترم من السود، ونادراً ما يحدث أن خيرة البيض وخيرة السود يعيشوا بمقربة بعضهم البعض، ولهذا فتبلورت لدى السود قناعة بأن الأشخاص البيض لا يهتمون بمصلحتهم ولا يولوهم أي اهتمام.
ثانياً: العلاقات الاقتصادية والوسائل التي يتعاونون بها لكسب العيش.
يرى ديبويس "أن مشكلة الجنوب هي تحويل السود إلى رجال يعملون بكفاءة وذلك بتزويدهم بالمهارة الفنية اللازمة ومساعدتهم برأس المال المستثمر"[6]، ولذلك ينقصهم الاعتماد على النفس وحسن التعبير والعناية، ويلخص ديبويس ما يحتاجه الرجل الأسود من توجيه شخصي وقيادة جماعية من جانب رجال يحرصون على مصلحته وتدريبه على بعد النظر والعناية والأمانة حتى يتماشوا مع دورهم في العملية الاقتصادية.
ويؤكد ديبويس بأنه لا يجب أن يترك هؤلاء العمال وشأنهم بلا قيادة ولا توجيه وبلا رأس مال أو أرض وبلا مهارة أو تنظيم إجتماعي، لأن هذا سيؤول بهم إلى الجريمة، وإضافة لذلك فقد ترك الرجل الأسود ليلقى به في منافسة حادة مع أفضل العمال في ظل نظام اقتصادي سريع التطور، ووضع ديبويس حلاً للخروج من الوضع الاقتصادي في ذلك الحين وهو أن يدرك البيض أن السود محتاجين إلى تعاطف وقيادة تخرجهم من أوضاعهم الراهنة، ولابد أن تأتي هذه القيادة من السود أنفسهم، ومما سبق تظهر التفرقة العنصرية خلال التعامل مع السود بعد حصولهم على الاستقلال وتحررهم من العبودية، فقد تم وضعهم في ظل نظام اقتصادي متطور وطُلب منهم الاندماج داخل هذا النظام بل وتطويره بدون تعليمهم الأسس والركائز الأساسية التي يحتاجونها للتماشي مع هذا النظام.
ثالثاً: العلاقات السياسية والتعاون في الضبط الاجتماعي.
اعتبر ديبويس "صندوق الانتخاب هو الدفاع الوحيد والشرعي للزنوج"[7]، وذلك في النظام الديمقراطي الحقيقي، ولكن عندما سادت الفضائح السياسية أصبح الطبيعي قمع أصوات الزنوج، والهدف هو إبعاد الرجل الأسود عن السياسة، بمعنى ممارسة التفرقة بين الزنوج والبيض في عملية تأهيل الزنوج لممارسة العملية الديمقراطية.
وأضاف بأنه "يزداد الزنوج اقتناعاً بأن القانون والعدالة ليسا موجودين لحمايتهم، فالقوانين يصنعها رجال لا يهتمون بهم، وينفذها رجال ليس لديهم أي حافز لمعاملة الأهالي السود باحترام ومراعاة، وأخيراً عندما يخرق أحدهم القانون فإنه لا يحاكم بواسطة أقرانه ولكن غالباً على يد أشخاص يفضلون أن يعاقبوا عشرة زنوج أبرياء عن ترك مذنب واحد يفلت"[8]، وهنا تظهر التفرقة العنصرية في التعامل مع الزنوج منذ صنع القوانين ووصولاً إلى تنفيذها، وتم ربط "الوضع السياسي للزنجي بمسألة الجريمة الزنجية"[9]، وجاءت الجريمة كنتيجة للتحرر من العبودية، وأيضاً نظام الشرطة وضع للسيطرة على السود وحدهم، ويفترض ضمنياً أن كل رجل أبيض هو عضو في الشرطة ومن ثم نشأ نوع مزودج من العدالة، حيث وضع نظام الشرطة لتعقب كل الزنوج وليس المجرمين، وكان الزنوج ينظرون للمحاكم على أنها أدوات للظلم والقمع لأنها قائمة على أساس اللون، وأيضاً يبرز بوضوح التفرقة العنصرية في هذه النقطة بربط وجود الزنجي بالجريمة، وتعامل النظام الشرطي الموجود باعتبار أن كل أبيض هو عضو في الشرطة.
ووصلت التفرقة العنصرية في الجنوب لتعليم الأطفال، "فمن بين كل خمس دولارات تنفق على التعليم العام في ولاية جورجيا، تحصل مدارس البيض على أربع دولارات ومدارس الزنوج على دولار واحد"[10]، وهذا السبب بالأساس وراء ظهور الجريمة الزنجية.  
رابعاً: تناول الصجف لقضية الزنوج.
يوضح ديبويس بأن "صحف الصباح نادراً ما تشير إلى مشكلة الزنوج، وإذا فعلت ذلك يكون بطريقة أكاديمية تبحث عن جوانب غير مألوفة للمسألة"[11]، ويظهر ديبويس هنا التفرقة العنصرية في عملية تناول قضايا الزنوج، حيث أن الصحف لا تتحدث عن الجوانب الأساسية للقضية، وإن تحدتث فتتناول جوانب لا تبرز الجانب الصحيح في قضاياهم.
خامساً: الحياة الإجتماعية والثقافية والدينية.
يسرد ديبويس بأن "العنصران يذهبان إلى كنائس منفصلة، فهما منعزلان بشكل قاطع في الاجتماعات العامة، وهما يسافران منفصلان، وفي معظم المحاضرات والمكتبات وحفلات الموسيقى والمتاحف إما الزنوج لا يسمح لهم بدخولها أصلاً، أو يسمح لهم بشروط تمس كرامة نفس الطبقات التي كان يمكن أن تجتذب إليها"[12]، وهنا يوضح ديبويس بأن التفرقة العنصرية وصلت حتى لأماكن العبادة، وصلت حتى في عملية حضور المؤتمرات والندوات العلمية إما أن يمنع الزنوج من دخولها أو توضع شروط خاصة بهم للدخول والمشاركة، وقد امتدت هذه التفرقة إلى الحدائق وسيارات الأوتوبيس.
الخاتمة:
لقد أظهر وليم ديبويس التفرقة العنصرية التي يعاني منها السود في الجنوب، فكان موفق في عملية إبراز هذه التفرقة في أماكن السكن والمعيشة، وفي العلاقات الاقتصادية بينهم، لكنه غالى عندما تطرق للعلاقات السياسية والانتخابات تحديداً، وبعدها وضح تهميش السود في إبراز قضاياهم في الصجف اليومية، وأخيراً تطرق للحياة الاجتماعية والثقافية والدينية. 




[1] حلمي شعراوي، الفكر السياسي والاجتماعي في افريقيا، الطبعة الأولى، مركز البحوث العربية والافريقية، القاهرة، 2010، ص 167.
[2] المرجع السابق، ص 170.
[3] المرجع السابق، ص 171.
[4] المرجع السابق، ص 172.
[5] وليم إ. بورجهارت ويبويس، روح الشعب الأسود، ترجمة: أسعد حليم- تقديم: حلمي شعراوي، الطبعة الأولى، المشروع القومي للترجمة، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2002، ص 152-153.
[6] المرجع السايق، ص 154.
[7] المرجع السابق، ص 158.
[8] المرجع السابق، ص 159.
[9] المرجع السابق، ص 160.
[10] المرجع السابق، ص 162.
[11] المرجع السابق، ص 164.
[12] المرجع السايق، ص 165.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق