الأربعاء، 28 أكتوبر 2015

مقبرة الأرقام...

مقبرة الأرقام
لا زالت دولة الاحتلال الاسرائيلي تحتجز العديد من الجثامين لشهداء فلسطينيين وعرب سقطوا في ظروف مختلفة، وتلك الجثث تجتجز في ثلاجات أو مقابر سرية تقع في مناطق عسكرية مغلقة ويمنع زيارتها أو الاقتراب منها أو تصويرها، وهي عبارة عن مدافن بسيطة أحيطت بالحجارة بدون شواهد ومثبت فوقها لوحات معدنية تحمل أرقاماً بعضها تلاشى بشكل كامل، إذ أن كل شهيد يحمل رقماً معيناً ولهذا سميت بمقابر الأرقام، ولكل رقم ملف خاص تحتفظ به الجهة الأمنية المسئولة، ويشمل المعلومات والبيانات الخاصة بكل شهيد، ومقابر الأرقام عبارة عن مقابر بسيطة تفتقر إلى الأهلية والشرعية، وتوضع فيها الجثامين على عمق قليل مما يبقيها عرضه للانجراف وللنهش من قبل الكلاب الضالة.
تم الكشف عن أربعة مقابر للأرقام، إلا أن جهات عديدة ترجح وجود عدد سري آخر يخضع لرقابة وزارة جيش الاحتلال الاسرائيلي، وتعد مقبرة "جسر بنات يعقوب" الواقعة في منطقة عسكرية عند ملتقى حدود فلسطين وسوريا ولبنان، أكبر هذه المقابر حجماً حيث تضم وفق احصائيات اسرائيلية 500 شهيد من جنسيات فلسطينية ولبنانية وسورية وأردنية، وليس ثمة ما يدل على هويات من فيها سوى لوحات الصفيح التي تحمل أرقاماً محيت بمرور الزمن، وتعتبر مقبرة "ريفيديم" في غور الأردن والتي تسميها اسرائيل مقبرة "قتلى الأعداء" ثاني أكبر هذه المقابر، حيث يرقد فيها رفات نحو 100 شهيد نصفهم من جنسيات عربية سقطوا بعد حرب 1973، والنصف الآخر لمواطنين استشهد معظمهم في عمليات أو اشتباكات مع قوات الاحتلال الاسرائيلي أو تم اغتيالهم من قبل دولة الاحتلال الاسرائيلي ومن بينهم نحو 30 شهيد نفذوا عمليات فدائية منذ العام 1994، كما سربت أنباء عن مقبرتين أخريين للأرقام، غير معلوم كم تتضمن من الرفات، لكن قيل أن إحداهما مجاورة لمقبرة ريفيديم والأخرى تسمى "بمقبرة شحيطة" الواقعة في قرية واد الحمام شمالي طبريا حيث وقعت معركة حطين، وهناك مقبرة أخرى افتتحها الاحتلال الاسرائيلي في منتصف التسعينات هي مقبرة تقع في منطقة صحراء النقب.
وقد أكدت اللجنة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء والكشف عن مصير المفقودين قرابة 345 شهيد فلسطيني تحتفظ دولة الاحتلال الاسرائيلي بجثامينهم، وجاء ذلك وفقاً بالاتصال المباشر مع عائلاتهم، وتستخدم هذه الجثث كرهائن لتحقيق أهداف سياسية دون الالتفاف إلى البعد الانساني والمعاناة التي تعيشها عوائل هؤلاء الشهداء، مع الإشارة إلى إن الاصرار على احتجاز جثامين الشهداء يستهدف إخفاء الحقائق والتهرب من المسئولية عن جرائم الحرب التي ترتكبها دولة الاحتلال الاسرائيلي، وخاصة استخدام أعضاء الكثيرين منهم كقطع غيار بشرية وتعرض أعضاؤهم للسرقة.
فقد نشرت صحيفة "افتونبلاديت" السويدية بتاريخ أغسطس 2009 تقرير اتهمت فيه قوات الاحتلال الاسرائيلي بقتل شبان فلسطينيين عمداً في قطاع غزة والضفة الغربية بهدف سرقة أعضاؤهم الداخلية والمتاجرة بها، عبر شبكة دولية ضبطت بتاريخ يوليو 2009 في الولايات المتحدة، وضمت في عضويتهما حاخامات يهود وتم اتهامهم بالاتجار بالأعضاء البشرية وتبييض الأموال بشكل غير شرعي، وإضافة لذلك أوضح التقرير فلسطينيين خطفوا من قراهم في منتصف اليل ودفنوا بعد انتزاع أعضائهم.
في إشارة واضحة، أكد التلفزيون الاسرائيلي صحة ما تم نشره حول سرقة الأعضاء من الموتى الفلسطينيين، وأن أعضاء كالقرنيات والعظام إضافة إلى جلد الظهر كانت تنتزع من الشهداء دون موافقة عائلاتهم، وبين "يهودا هس" مسئول الطب التشريحي والقضائي السابق في معهد أبو كبير في دولة الاحتلال الاسرائيلي كيفية انتزاع الأعضاء من جثث الشهداء الفلسطينيين وما كان يحدث في الخفاء مع معهد التشريح، وقال هس "كنا نأخذ القرنيات ولم نكن نخلع العين، نغطي مكان القرنية ونغلق العين، وكنا نفعل ذلك من أجل البحث العلمي".

إن هذه الجرائم التي ترتكب بحق رفات أسرانا تستوجب تشكيل لجنة دولية للتحقيق في هذه الجرائم وفي كافة جرائم القتل والاعدام المباشر وغير المباشر للأسرى والمعتقلين بعد اعتقالهم باعتبارها انتهاكاً فاضحاً للقانون الدولي الإنساني والقيم الإنسانية والأخلاقية والدينية.