الأحد، 28 ديسمبر 2014

الوحدة الإفريقية في سطور

                                                                                             
      



الوحدة الإفريقية في سطور






إعداد:
محمد عز الدين مصطفى حمدان







جذور الفكرة:
v    بدأت فكرة الوحدة الافريقية في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وجاءت كرد فعل عن سياسات وممارسات الاضطهاد والتمييز العنصري التي عانى منها الأفارقة في أوروبا وأمريكا، حيث طالبو برفع شعار "الجامعة الافريقية" لكى تكون حركة اجتماعية وسياسية تؤكد على قيمة الهوية الافريقية والاعتزاز بها وللم شمل الأفارقة وتوحيدهم.
v    وكانت بداية الفكرة على يد "إدوارد بلايدن" Edward Blyden، الذي جاء من جزر الهند ثم ذهب إلي ليبيريا وعمل في سيراليون، وكان أول من صاغ فكرة الجامعة الافريقية، وارتكزت رؤيته على خصوصية الجنس البشري، وأن للأفارقة تاريخ يجب أن يحترم، فيقول بلايدن:
"ينبغي على الافريقي أن يطور حياته ومعيشته بنفسه، فينبغي أن تظهر قدرتنا على المضي قدماً وعلى شق طريقنا بأنفسنا، إنني أفضل أن أكون افريقيا في هذا الموقف على أن أكون يونانياً زمن الاسكندر الأكبر أو رومانياً زمن أوجستس أو انجلوسكسوني في زمن القرن التاسع عشر".
v    وفي مطلع القرن العشرين أخدت الوحدة الافريقية بُعد تنظيمي وحركي، حيث عقد أول مؤتمر في العام 1900م في لندن، ونظمه "سلفستر ويليامز ديبوا" ولم يتجاوز عدد المشاركين عن 30 مشارك، وقد طُرح خلال المؤتمر مجموعة من الأفكار الخاصة بالوحدة الافريقية وتحرير الرجل الافريقي، وتوالى انعقاد المؤتمرات، فانعقد المؤتمر الثاني في العام 1919م في باريس، والمؤتمر الثالث في العام 1921م في لندن وبروكسيل، والمؤتمر الرابع في العام 1923م في لندن ولشبونة، والمؤتمر الخامس في العام 1927 في نيويورك، وقد طرح خلال هذه المؤتمرات مجموعة من الأفكار الخاصة بالوحدة الافريقية، وكان الحاضرين من أفارقة الشتات والزعماء السود وبعض الأفارقة من الذين كانوا يدرسون في الغرب.
v    أصبحت الأفكار التي طرحها "ديبوا" ورفاقه ركيزة أيدلوجية مهمة على مدى عقود طويلة من الزمان حتى تم انعقاد مؤتمر مانشستر عام 1945م، والذي اعُتبر بمثابة علامة فارقة في تاريخ الحركة الوحدوية الافريقية، وكان من بين الحاضرين "نكروما" و"كينياتا".
v    بعد استقلال غانا عام 1956م، أصبح "نكروما" رئيساً في مارس 1957م أخذ على عاتقه تنظيم المؤتمرات، ففي العام 1958م نظم نكروما أول اجتماع للدول الافريقية المستقلة، حيث حضر ممثلون عن ثماني دول مستقلة معظمهم من شمال أفريقيا.
v    وفي العام 1960م عقد اجتماع ثاني في أديس أبابا وبمشاركة 15 دولة، وفي العام 1963م عقد إجتماع تأسيسي في أديس أبابا وأعلن فيه عن قيام منظمة الوحدة الافريقية، وأيضاً في العام 1974م عقد مؤتمر في تنزانيا، وفي العام 1994م عقد مؤتمر في أوغندا، ويمكن القول أن حركة الوحدة الافريقية خلال النصف الأول من القرن العشرين ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بمجهود زعيمين عاشا في الولايات المتحدة الامريكية وهما "ماركوس جارفي" و"ووليم ديبوا".
فجارفي أسس "الرابطة العالمية لتنمية الزنوج" وقد فشلت، ورفع شعار "العودة لافريقيا وأن افريقيا للافريقيين"، أما وليم ديبوا كان على النقيض تماماً من الجارفية واعتبرها اتجاهاً راديكالياً لمشكلة الزنوج في العالم الجديد، ساهم في تأسيس "الرابطة القومية لتطوير الشعوب الملونة"، واعتبر مشكلة الزنوج والأفارقة جزء من النضال العالمي من أجل الحصول على العدالة والمساواة، وقد نادى ديبوا بدمج السود بالمجتمع الامريكي وإعطائهم حقوقهم والقضاء على كافة أشكال التميز على أساس الجنس واللون".
 التقاء التيارات الفكرية:
v    في النصف الثاني من القرن العشرين تم إلتقاء ثلاث تيارات فكرية تعيش تعايش تاريخي بالقارة، وتجمعت للعمل تحت لواء الوحدة الافريقية، وأنها تطورت من حيث المضمون والعمل والشكل من مؤتمري أكرا عام 1958م حتى مؤتمر أديس أبابا عام 1963م، وهذه التيارات هي، تيار الناطقين باللغة الانجليزية، وتيار الناطقين باللغة الفرنسية، وتيار الناطقين باللغة العربية، ويوجد بكل تيار من هذه التيارات الثلاثة السابقة تيارات فرعية، كما يوجد بينهما نقاط خلاف ونقاط اتفاق.
v    ومن الجدير التنويه، أنه في هذه الفترة –منتصف القرن العشرين- ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية مرَ العالم عامة والقارة خاصة بالأحداث التالية:
1.    بدء تفكك النظم الاستعمارية.
2.    قيام الاتحاد السوفيتي.
3.    بدء ظهور حركات التحرر.
4.    بدء ظهور المثقفين وأفكارهم التي ينادوا بها (افريقيا للافريقيين-الوحدة الافريقية).
5.    ظهور نظام دولي جديد.
6.    بداية ظهور المنظمات الأممية (عصبة الأمم- الأمم المتحدة).

تيار الناطقين باللغة الانجليزية:
v    ظهر هذا التيار في بداية القرن العشرين وسط الزنوجة في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا والذين كانوا يعانون من العنصرية والتمييز، وقد ظهرت فكرة الجامعة الافريقية وكانت تضم الزنوج السود في أفريقيا في المرحلة الاولى، وفي المرحلة الثانية كانت تضم الزنوج السود في الولايات المتحدة الامريكية.
v    وكان من زعمائها "جارفي" الذي كان يعيش في الولايات المتحدة الامريكية، حيث كان يدعو لهجرة الافارقة وعودتهم لإفريقيا.
تيار الناطقين باللغة الفرنسية:
v    تأخر عمل هذا التيار الفكري في القارة إلى ما بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية، حيث انتقل من منطقة جزر الهند في البحر الكاريبي إلي باريس حتى تلاقى الشباب الافريقي الذي خرجت من بين صفوفه الزعامات السياسية الجديدة في افريقيا، حيث تأثر هذا التيار بالمبادئ القانونية والسياسية التي حكمت العلاقات الفرنسية الافريقية.
v    وكان دعاة هذا التيار ومنهم "سنجور" يرون أن أفريقيا في صورة الزنوجة، ويرون أن الزنوج سلالة ذات صفات وطبائع خاصة تميزهم عن غيرهم، وحاول جزء منهم أن يمزج هذه الزنوجة وما تولد عنها من أفكار وتصورات بالمسيحية الكاثوليكية.
تيار الناطقين باللغة العربية:
v    ازدهر هذا التيار في مصر بصورة أكبر نسبياً من باقي البلاد العربية الافريقية، وكان على راس هذا التيار "جمال عبد الناصر"، حيث أن مصر كانت تتمتع بوضع سياسي دولي متميز في شمال افريقيا، وقد شكلت ثورة يوليو 1952 تغير في شكل القارة، حيث دعم جمال عبد الناصر حركات التحرر الافريقية.
v    أيضاً كفاح المصريين ضد الاستعمار الانجليزي أثار العديد من القضايا الفكرية ومن بينها علاقة مصر بما يجاورها من المناطق والبلاد –كالوحدة النيلية، وحدة مصر والسودان.
v    شهدت الفترة منذ عام 1924م محاولت فكرية متعددة لاكتشاف هوية مصر، هل أنها عربية أم اسلامية أم فرعونية، ففي ذلك الوقت كانت افريقيا لا تعني عند المصريين أكثر من مفهوم البلاد الافريقية العربية أو البلاد الافريقية الاسلامية، ويعد هذا تصور جزئي للقارة تطور مع ثورة 1952م والرئيس جمال عبد الناصر، ومع ظهور حركات التحرر كان هناك مخاوف من فكرة الوحدة الافريقية.
v    ونجد أن تيار الناطقين باللغة العربية ومصر عاشوا أيضاً في داخل إطار تصور جزئي لافريقيا، ولكن العلامة الفكرية الهامة التي تسجل تطور هذه التصورات الجزئية لم تأتِ عندهم نتيجة ضغوط الموقف الحقيقي في القارة وإنما جاءت مع ثورة 1952م ويرجع فضل بدايتها للرئيس جمال عبد الناصر.
وقد تأسست منظمة الوحدة الافريقية في العام 1963م بإلتقاء التيارات الثلاث.

رؤية الزعماء الأفارقة للوحدة الافريقية:
1)    الزعيم النيجيري أزيكوى.
v    كانت رؤيته للوحدة خلال فترة الأربعينات، حيث أصدر في العام 1943م بيان سياسي يطلب فيه، تطبيق حق تقرير المصير والاختيار الديمقراطي للشعوب الافريقية، وكان ذلك دليل على "وحدة المصير الافريقي".
2)    الزعيم الغاني نكروما.
v    كانت رؤيته للوحدة الافريقية هي تحقيق الاستقلال السياسي أولاً ثم تتحقق الوحدة الافريقية الجامعة، وقد تولى تنظيم عدة مؤتمرات للوحدة الافريقية.
v    دافع عن فكرة إقامة اتحاد غرب افريقيا المستقل بإعتباره خطوة أولى على طريق الولايات المتحدة الافريقية، وكان يرى أن استقلال غانا غير كافي بدون تحرر بقية الدول الافريقية ووحدتها.
"إن الميراث الاستعماري الذي عجزنا عن تخطيه هو عدم الوحدة، فقد تركتا الاستعمار منقسمين إلى دويلات ضعيفة اقتصادياً".
v    أكد نكروما على دعمه المالي والعسكري للثوار الافارقة، واعتبر التحرر خطوة على طريق الوحدة القارية.
v    ودعا إلى وحدة افريقيا انطلاقاً من تصوره لوجود ثلاثة بدائل أمام القارة الافريقية، هي: (التوحيد وإنقاذ القارة إما الاستمرار في عدم الوحدة وعدم التكامل وإما الاستسلام للقوى الامبريالية والاستعمار الجديد).
v    عاررض نكروما التجمعات الاقليمية الفرعية في افريقيا، مثل الايكواس والكوميسا والساداك.
v    عمل من أجل تأسيس نظام دفاعي افريقي مشترك باعتبار أن تأسيس نظام دفاعي خاص بكل دولة أمر مكلف جداً.
3)    سنجور.
v    اتسم بقدرات أدبية وعقلية أثرت عليها تجربته في فرنسا، وكان مدافع عن فكرة الزنوجة، وهذا ما كان يتحاشاه نكروما.
v    أكد على أن العقل الأوروبي هو عقل تحليلي منطقي قائم على المصلحة والمنفعة بينما العقل الافريقي الزنجي يميل إلى المشاركة من خلال الحدث والبديهة، وهنا يظهر تأثره بالكتاب الذين أكدوا على الاختلافات بين الأوروبيين والأفارقة، ودعا إلى استبعاد العرب من أجندة الوحدة الافريقية.
4)    مبوتو سيسكو.
v    أسس سيسكو مفهومه على الزنوجة لسنجور، مؤكداً أن العرب يملكون الجامعة العربية ولهذا من حق افريقيا امتلاك منظمة منفصلة عنهم، أو بمعنى آخر دافع عن إنشاء عصبة للدول الافريقية مع استبعاد العرب منها، وهذا ما عارضه نكروما بشدة.
5)    معمر القذافي.
v    كان معمر القذافي من القادة الأفارقة الذي يجذب الانتباه، فهو الذي نهض بفكرة الوحدة الافريقية مرة أخرى، فكان يضغط أثناء حضوره جلسات القمم الافريقية إلى إيجاد تكامل سياسي واقتصادي افريقي قوي، حيث دعا لاتحاد افريقي عام 2001م.
v    دعا لإنشاء برلمان قوي، وبنك مركزي، ومحكمة عدل، وعملة موحدة، ووثيقة سفر موحدة للقارة الإفريقية، وأيضاً دعا للمشاركة الشعبية في عملية صنع القرار في ظل منظمة الوحدة الافريقية.

v    وأكد على وجود مؤامرة خارجية أوروبية تستهدف تمزيق افريقيا عن طريق دمج الشمال الافريقي بالشرق الأوسط في إطار مشروع الأورومتوسطي. 

دراسة نقدية لفصل "أبناء السيد والمسود" من كتاب "روح الشعب الأسود" لـ وليم إدوارد ديبويس.

                                                                                            
       
        جامعة القاهرة
كلية الاقتصاد والعلوم السياسية
    قسم العلوم السياسية
    




دراسة نقدية لفصل "أبناء السيد والمسود"
 من كتاب "روح الشعب الأسود" لـ وليم إدوارد ديبويس



إعداد الطالب:
محمد عز الدين مصطفى حمدان






2013


المقدمة:
"وليم إدوارد بورجهارت ديبويس" أفروأمريكي من أصول أفريقية فرنسية، ولد في بارنجتون بالقرب من ماساشوسيتش شرق الولايات المتحدة الأمريكية في 23 فبراير 1868م، وتوفي في أكرا-غانا في 27 أغسطس 1963م[1].
درس ديبويس العلوم الانسانية، كالفلسفة والتاريخ والاجتماع، وكان ناشطاً في مجال تحرير الإنسان والشعوب الملونة، وكان أديباً وشاعراً ومفكراً ورائداً سياسياً وثقافياً لحركة تحرير الزنوج الأمريكية، وحركة الوحدة الأفريقية.
عانى ديبويس في جولته لجورجيا خلال فترة دراسته الجامعية الأولي من التفرقة العنصرية ضد الزنوج، وهو ما عبر عنه في كتابه "روح الشعب الأسود"، فكانت هذه البداية لإتجاهه لدراسة أوضاع الزنوج، واتخاذ الإتجاه السلمي لحل قضيتهم، والواضح أنه لا يمثل العنصرية المعكوسة بل كان يتحدث عن تراث الزنجي القوي القديم، وأن اللون لم يكن أساس العبودية، ويرى أن الصراع بين الأجناس لابد أن يكون للخير، والتنافس يكون في إطار اتصال الحضارات وليس تصارعها، حيث كانت تظهر في جميع كتاباته نظرته الإنسانية للعالم.
كان ديبويس ساخطاً على الواقع الأمريكي لأنه يرى أن الرأسمالية هي المسببة لتجارة الرقيق والحروب الأهلية والعالمية التي تعبر بوضوح عن الثقافة الحقيقية البيضاء[2]، واتجه حول فكرة "أممية الشعوب الملونة" التي تم محورتها في حركة الوحدة الأفريقية، حيث كانت فكرته بأن يدفع بالشعوب الأفريقية للساحة الدولية ليمهدها للحصول على الحكم الذاتي ثم الإستقلال ومن بعدها التوحد[3]، وقد أعجب بالحريات التي منحت للزنوج في فرنسا قبل الحرب العالمية الأولى، ولكنه رأى التناقض خلال فترة الحرب من استغلال الأفارقة بالرغم من تأثر الثقافة الأوروبية ببعض جوانب بالثقافة الأفريقية، مما شجعه لعقد مؤتمرات الوحدة في العواصم الأوروبية والابتعاد عن أمريكيا، وكان له دوراً في هذه المؤتمرات، وأكد على أن الاشتراكية هي الطريق التي يجب على أفريقيا السير فيها والابتعاد عن الرأسمالية، ويحذر من ارتباط الأفارقة بالبيض الرأسماليين لأنه يرى إمكانية التحالف مع البيض على أساس الاشتراكية، ويجب أن يتحد الأفارقة تحت شعار الوحدة الأفريقية الاشتراكية.[4]
وستقوم الدراسة النقدية لفصل "عن أبناء السيد والمسود" من كتاب "روح الشعب الأسود"، حيث تطرق الكاتب للتفرقة العنصرية بين السود والبيض في الجنوب.
أولاً: الفصل المكاني بين البيض والسود.
يوضح ديبويس بأنه "يمكن أن نرسم في كل مجتمع خطاً مادياً للون على الخريطة، على أحد جانبيه يعيش البيض وعلى الجانب الآخر يعيش الزنوج"[5]، وبذلك تتضح التفرقة العنصرية في الفصل المكاني للبيض عن السود، ويبرز بأن السود يعيشوا في أحياء لا يعيش بها البيض لأن البيض يعتبروا السود الفقراء مصدر خطر عليهم، ولكن من الطبيعي أن يوجد حي فقير للبيض وسط حي محترم من السود، ونادراً ما يحدث أن خيرة البيض وخيرة السود يعيشوا بمقربة بعضهم البعض، ولهذا فتبلورت لدى السود قناعة بأن الأشخاص البيض لا يهتمون بمصلحتهم ولا يولوهم أي اهتمام.
ثانياً: العلاقات الاقتصادية والوسائل التي يتعاونون بها لكسب العيش.
يرى ديبويس "أن مشكلة الجنوب هي تحويل السود إلى رجال يعملون بكفاءة وذلك بتزويدهم بالمهارة الفنية اللازمة ومساعدتهم برأس المال المستثمر"[6]، ولذلك ينقصهم الاعتماد على النفس وحسن التعبير والعناية، ويلخص ديبويس ما يحتاجه الرجل الأسود من توجيه شخصي وقيادة جماعية من جانب رجال يحرصون على مصلحته وتدريبه على بعد النظر والعناية والأمانة حتى يتماشوا مع دورهم في العملية الاقتصادية.
ويؤكد ديبويس بأنه لا يجب أن يترك هؤلاء العمال وشأنهم بلا قيادة ولا توجيه وبلا رأس مال أو أرض وبلا مهارة أو تنظيم إجتماعي، لأن هذا سيؤول بهم إلى الجريمة، وإضافة لذلك فقد ترك الرجل الأسود ليلقى به في منافسة حادة مع أفضل العمال في ظل نظام اقتصادي سريع التطور، ووضع ديبويس حلاً للخروج من الوضع الاقتصادي في ذلك الحين وهو أن يدرك البيض أن السود محتاجين إلى تعاطف وقيادة تخرجهم من أوضاعهم الراهنة، ولابد أن تأتي هذه القيادة من السود أنفسهم، ومما سبق تظهر التفرقة العنصرية خلال التعامل مع السود بعد حصولهم على الاستقلال وتحررهم من العبودية، فقد تم وضعهم في ظل نظام اقتصادي متطور وطُلب منهم الاندماج داخل هذا النظام بل وتطويره بدون تعليمهم الأسس والركائز الأساسية التي يحتاجونها للتماشي مع هذا النظام.
ثالثاً: العلاقات السياسية والتعاون في الضبط الاجتماعي.
اعتبر ديبويس "صندوق الانتخاب هو الدفاع الوحيد والشرعي للزنوج"[7]، وذلك في النظام الديمقراطي الحقيقي، ولكن عندما سادت الفضائح السياسية أصبح الطبيعي قمع أصوات الزنوج، والهدف هو إبعاد الرجل الأسود عن السياسة، بمعنى ممارسة التفرقة بين الزنوج والبيض في عملية تأهيل الزنوج لممارسة العملية الديمقراطية.
وأضاف بأنه "يزداد الزنوج اقتناعاً بأن القانون والعدالة ليسا موجودين لحمايتهم، فالقوانين يصنعها رجال لا يهتمون بهم، وينفذها رجال ليس لديهم أي حافز لمعاملة الأهالي السود باحترام ومراعاة، وأخيراً عندما يخرق أحدهم القانون فإنه لا يحاكم بواسطة أقرانه ولكن غالباً على يد أشخاص يفضلون أن يعاقبوا عشرة زنوج أبرياء عن ترك مذنب واحد يفلت"[8]، وهنا تظهر التفرقة العنصرية في التعامل مع الزنوج منذ صنع القوانين ووصولاً إلى تنفيذها، وتم ربط "الوضع السياسي للزنجي بمسألة الجريمة الزنجية"[9]، وجاءت الجريمة كنتيجة للتحرر من العبودية، وأيضاً نظام الشرطة وضع للسيطرة على السود وحدهم، ويفترض ضمنياً أن كل رجل أبيض هو عضو في الشرطة ومن ثم نشأ نوع مزودج من العدالة، حيث وضع نظام الشرطة لتعقب كل الزنوج وليس المجرمين، وكان الزنوج ينظرون للمحاكم على أنها أدوات للظلم والقمع لأنها قائمة على أساس اللون، وأيضاً يبرز بوضوح التفرقة العنصرية في هذه النقطة بربط وجود الزنجي بالجريمة، وتعامل النظام الشرطي الموجود باعتبار أن كل أبيض هو عضو في الشرطة.
ووصلت التفرقة العنصرية في الجنوب لتعليم الأطفال، "فمن بين كل خمس دولارات تنفق على التعليم العام في ولاية جورجيا، تحصل مدارس البيض على أربع دولارات ومدارس الزنوج على دولار واحد"[10]، وهذا السبب بالأساس وراء ظهور الجريمة الزنجية.  
رابعاً: تناول الصجف لقضية الزنوج.
يوضح ديبويس بأن "صحف الصباح نادراً ما تشير إلى مشكلة الزنوج، وإذا فعلت ذلك يكون بطريقة أكاديمية تبحث عن جوانب غير مألوفة للمسألة"[11]، ويظهر ديبويس هنا التفرقة العنصرية في عملية تناول قضايا الزنوج، حيث أن الصحف لا تتحدث عن الجوانب الأساسية للقضية، وإن تحدتث فتتناول جوانب لا تبرز الجانب الصحيح في قضاياهم.
خامساً: الحياة الإجتماعية والثقافية والدينية.
يسرد ديبويس بأن "العنصران يذهبان إلى كنائس منفصلة، فهما منعزلان بشكل قاطع في الاجتماعات العامة، وهما يسافران منفصلان، وفي معظم المحاضرات والمكتبات وحفلات الموسيقى والمتاحف إما الزنوج لا يسمح لهم بدخولها أصلاً، أو يسمح لهم بشروط تمس كرامة نفس الطبقات التي كان يمكن أن تجتذب إليها"[12]، وهنا يوضح ديبويس بأن التفرقة العنصرية وصلت حتى لأماكن العبادة، وصلت حتى في عملية حضور المؤتمرات والندوات العلمية إما أن يمنع الزنوج من دخولها أو توضع شروط خاصة بهم للدخول والمشاركة، وقد امتدت هذه التفرقة إلى الحدائق وسيارات الأوتوبيس.
الخاتمة:
لقد أظهر وليم ديبويس التفرقة العنصرية التي يعاني منها السود في الجنوب، فكان موفق في عملية إبراز هذه التفرقة في أماكن السكن والمعيشة، وفي العلاقات الاقتصادية بينهم، لكنه غالى عندما تطرق للعلاقات السياسية والانتخابات تحديداً، وبعدها وضح تهميش السود في إبراز قضاياهم في الصجف اليومية، وأخيراً تطرق للحياة الاجتماعية والثقافية والدينية. 




[1] حلمي شعراوي، الفكر السياسي والاجتماعي في افريقيا، الطبعة الأولى، مركز البحوث العربية والافريقية، القاهرة، 2010، ص 167.
[2] المرجع السابق، ص 170.
[3] المرجع السابق، ص 171.
[4] المرجع السابق، ص 172.
[5] وليم إ. بورجهارت ويبويس، روح الشعب الأسود، ترجمة: أسعد حليم- تقديم: حلمي شعراوي، الطبعة الأولى، المشروع القومي للترجمة، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2002، ص 152-153.
[6] المرجع السايق، ص 154.
[7] المرجع السابق، ص 158.
[8] المرجع السابق، ص 159.
[9] المرجع السابق، ص 160.
[10] المرجع السابق، ص 162.
[11] المرجع السابق، ص 164.
[12] المرجع السايق، ص 165.